recent
أخبار ساخنة

### **رحلة في ذاكرة الجنون: قراءة في كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية»**

الصفحة الرئيسية

 

### **رحلة في ذاكرة الجنون: قراءة في كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية»**

 

لطالما كان تاريخ المرض العقلي فصلاً معقداً ومظلماً في مسيرة الحضارة الإنسانية، فصلاً كُتبت سطوره بمزيج من الخوف والجهل والوصم، قبل أن تبزغ فيه أنوار العلم والرحمة. في هذا السياق، يأتي كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية» للمؤرخة الأميركية جوليانا كامينجز، والذي صدرت ترجمته العربية عن "دار تنمية" بتوقيع المترجم أسامة عبد الحق نصار، ليكون بمثابة رحلة استكشافية عميقة وشجاعة في هذا التاريخ المتقلب. لا يكتفي الكتاب بسردالأحداث، بل يغوص في تطور العقل البشري نفسه من خلال تعامله مع أحد أكثر جوانب التجربة الإنسانية حساسية: السلامة النفسية.

لطالما كان تاريخ المرض العقلي فصلاً معقداً ومظلماً في مسيرة الحضارة الإنسانية، فصلاً كُتبت سطوره بمزيج من الخوف والجهل والوصم، قبل أن تبزغ فيه أنوار العلم والرحمة. في هذا السياق، يأتي كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية» للمؤرخة الأميركية جوليانا كامينجز، والذي صدرت ترجمته العربية عن "دار تنمية" بتوقيع المترجم أسامة عبد الحق نصار، ليكون بمثابة رحلة استكشافية عميقة وشجاعة في هذا التاريخ المتقلب. لا يكتفي الكتاب بسرد الأحداث، بل يغوص في تطور العقل البشري نفسه من خلال تعامله مع أحد أكثر جوانب التجربة الإنسانية حساسية: السلامة النفسية.
### **رحلة في ذاكرة الجنون: قراءة في كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية»**


### **رحلة في ذاكرة الجنون: قراءة في كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية»**


1.  كيف تتبع الكتاب تطور النظرة إلى "الجنون" من كونه وصمة وخرافة إلى فهمه كمرض علمي؟

2.  ما هي أبرز التحولات التي طرأت على طرق معاملة المرضى العقليين عبر العصور كما يوضح الكتاب؟

3.  كيف يستعرض الكتاب العلاقة التاريخية بين "المالنخوليا" (الكآبة) والعبقرية الإبداعية؟

4.  ما الأسباب التي أدت إلى الاتجاه نحو إغلاق المصحات العقلية الكبرى في العصر الحديث؟


تنطلق كامينجز في رحلتها

 من نقطة إنسانية مؤثرة، مستهلة كتابها بقصة مريض شاب بالفصام في مستشفى «ماكلين» عام 1951. من خلال وصف معاناته تحت وطأة العلاج القسري بصدمات الأنسولين – وهي تقنية كانت شائعة آنذاك – تضعنا المؤلفة مباشرةً في قلب الإرث الطويل من الشقاء الذي شهدته جدران المصحات. هذا المدخل ليس مجرد قصة عابرة

  •  بل هو نافذة نطل منها على مفارقة مركزية في الكتاب: كيف أن محاولات العلاج التي تبدو اليوم
  •  "همجية" كانت في كثير من الأحيان نابعة من رغبة صادقة لمساعدة المرضى، ولكنها كانت محكومة
  •  بأدوات عصرها المعرفية المحدودة.

 

يتتبع الكتاب ببراعة المسار التاريخي لوصمة الجنون

 كاشفاً كيف كان يُنظر للمرضى العقليين قبل القرن الخامس عشر بوصفهم "حمقى القرية"، وكيف كان وجودهم في عائلة ما مصدراً للخجل يدفع الأهالي إلى حبسهم في الحظائر أو تقييدهم بالسلاسل. ترسخت هذه النظرة على أساس تفسيرات ميتافيزيقية اعتبرت الجنون عقاباً إلهياً أو مساً شيطانياً

  1. وهو ما أدى إلى ممارسات علاجية مرعبة مثل "نقر الجمجمة" بهدف طرد الأرواح الشريرة. وسط
  2.  هذا الظلام، يبرز الكتاب بصيص الأمل الذي مثله الطبيب اليوناني الأشهر "أبقراط"، الذي يعد أول
  3.  من أرسى فهماً علمياً للاضطرابات العقلية، مؤكداً أن الدماغ، وليس الآلهة، هو مصدر هذه
  4.  الأمراض، بل وقدم رؤى سبقت عصره حول أثر الموسيقى كعلاج للروح والجسد.

 

وفي منعطف مهم من رحلته

 يتوقف الكتاب عند الإرث الفكري الذي حاول تشريح المرض العقلي، وأبرزه كتاب "تشريح الكآبة" للإنجليزي روبرت بيرتون في القرن السادس عشر. لم يكن هذا العمل مجرد وصف للمالنخوليا، بل كان تحقيقاً رائداً في العلاقة الغامضة بين الكآبة والعبقرية الفنية والأدبية

  • وهي ملاحظة استبقت الدراسات الحديثة التي ربطت بين الاضطرابات المزاجية والإبداع الخارق، كما
  •  في حالة الموسيقار موتسارت. المفارقة المؤثرة تكمن في أن بيرتون نفسه كان يعاني من الكآبة
  •  واستخدم الكتابة كعلاج ذاتي، حتى أوصى بأن يُنقش على قبره: "لمن أعطى حياته ومماته
  •  للمالنخوليا".

 

ثم ينتقل الكتاب إلى المسار المؤسسي

 متتبعاً نشأة المصحات العقلية الحديثة مع تأسيس طائفة "الكويكرز" لمصحة "يورك" في نهاية القرن الثامن عشر، والتي شكلت نموذجاً إنسانياً للعلاج. ومع التوسع في بناء المصحات خلال القرن التاسع عشر، بدأت القوانين تتطور لتواكب الطب العقلي، مما انعكس إيجابياً على معاملة المرضى.

  1.  إلا أن التحول الجذري حدث في منتصف القرن العشرين، فمع ظهور الأدوية النفسية الفعالة
  2.  والضغوط التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بدأت سياسة "الأبواب المفتوحة" التي منحت المرضى
  3.  حرية أكبر، وصولاً إلى الاتجاه العالمي نحو إغلاق المصحات الكبرى لصالح الرعاية المجتمعية.

 

في الختام

 يقدم كتاب «تاريخ الجنون والمصحات العقلية» أكثر من مجرد سرد تاريخي؛ إنه شهادة على كفاح الإنسان لفهم نفسه، وتذكير مؤثر بالمسافة الشاسعة التي قطعناها من تقييد المريض بالسلاسل إلى فك شفرات دماغه بالأدوية والعلاج النفسي. 

ورغم أن مباني تلك المصحات قد هُدمت، فإن تاريخها يظل، كما تؤكد كامينجز، شاهداً حياً على تطور الطب النفسي ورحلة الإنسانية المستمرة نحو التعاطف والعلم.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent